آخر الأحداث والمستجدات 

إنقراض ملاعب الأحياء بمكناس و إنتهاء دورها الريادي في إنجاب المواهب

إنقراض ملاعب الأحياء بمكناس و إنتهاء دورها الريادي في إنجاب المواهب

على مدى سنوات شكلت ملاعب الأحياء بمكناس، كما غيرها من مدن المملكة، فضاءات للعب والتباري وأماكن لتفجير الطاقات والمواهب واكتساب المهارات، إذ تخرج منها العديد من اللاعبين المتميزين، الذين منهم من عزز صفوف الأندية المحلية والوطنية، ومنهم من قاده تألقه إلى حمل القميص الوطني، بل وإلى دخول عالم الاحتراف من أوسع أبوابه، كما هو الشأن بالنسبة إلى مجموعة من العناصر الدولية السابقة أمثال الراحلين محمد مبارك (امبيريك) ومولاي الحسن العلوي (شيشا) وعزيز الدايدي والإخوة لكحل(ديدي ومعتوق ولغويني) ومحمد اطويرطو وادريس العراقي (باديدي) وعبد الجليل هدا (كاماتشو) ومصطفى بيدان وآخرين. كما كانت هذه الملاعب مجالا خصبا للتنقيب عن المواهب الرياضية، خاصة في مجال كرة القدم.

لكن مع مرور الوقت بدأت الملاعب، التي كانت في السابق مدارس كروية يتلقى فيها الموهوبون المبادئ الأولية للعبة، تفقد بريقها ووهجها بعدما زحف عليها البناء من كل النواحي، محولا إياها إلى جبال من الإسمنت المسلح.

ملاعب ضاعت

لا يمكن الحديث عن تاريخ ملاعب الأحياء بالعاصمة الإسماعيلية دون استحضار الكم الهائل من الفضاءات الرياضية التي لم تقو على مقاومة زحف الإسمنت، قبل أن يتم طمس معالمها وتصبح بين عشية وضحاها في «خبر كان». ويتعلق الأمر بملاعب «اليزيدي» بحي قدماء المحاربين، و»لالة عودة» بالقرب من المحكمة الابتدائية، و»الكصيصة» بالقرب من العوينة الصافية (بوعماير)، و»الحفرة»

بسيدي سعيد، و»باب الرحى» بزين العابدين، و»السلاوية» بالفخارين، و»صهريج السواني» بحي بني امحمد، و»الديور الجداد» بالقرب من جامع الزهر بسيدي عمرو، و»البليدة» بكاريان السعيدية، على مقربة من مسجد محمد السادس.

والحالة نفسها تنطبق على واقع مجموعة ملاعب «الزويتينة» (منتزه الرياض).

هذه الملاعب التي كانت دائما في قلب الأحداث ومفخرة للأحياء القريبة منها، من خلال احتضانها لتظاهرات رياضية على مدار السنة، خاصة في رمضان، إذ كانت تتوافد عليها أعداد هائلة من المتتبعين والمتفرجين. كما كانت متنفسا ومنقذا لشباب هذه الأحياء الشعبية من براثن الضياع والتيه والانحراف.

وأكيد أن زحف الإسمنت على ملاعب الأحياء بمكناس لن يقف عند هذا الحد، ما دام الدور آتيا لا محالة على فضاءات رياضية أخرى، والحديث هنا عن ملاعب «تيرت اجبالة» الواقعة بالقرب من الثانوية الإعدادية جابر بن حيان بحي الزيتون، و»البرج المشقوق» بالحي الذي يحمل الاسم نفسه، و»الجيني» بالبساتين، وملعب الرهيبات «ليسور».

غياب المرافق

كان من المفروض أن يواكب وتيرة التوسع العمراني الكبير، الذي تشهده مكناس على المستويين العمودي والأفقي، التفكير في إنشاء وتشييد منشآت رياضية بالقرب من عشرات المجمعات السكنية التي رأت النور في السنوات الأخيرة، دون أن يرى سكانها نور المرافق الموازية الأساسية، كالمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية ودور الشباب والمساحات الخضراء، وضمنها طبعا الملاعب الرياضية، التي من شأنها أن تحتضن أطفال وشباب هذه الأحياء، وأن تمكنهم بالتالي من قضاء وقتهم الثالث في أجواء وظروف مريحة للغاية. علما أن هذه المجمعات، المندرجة في إطار مشاريع السكن الاقتصادي، تتميز بكثافة سكانية مرتفعة جدا، كما هو الحال بالنسبة إلى الأحياء المستحدثة بكل من المنصور ومرجان والنعيم وويسلان والمنار والريحان وتولال.

بدائل خطيرة

أمام هذا الوضع المقلق وغير المبرر، وفي غياب شبه تام لمرافق رياضية معدة لهذا الغرض، تضطر جحافل كبيرة من الأطفال والشباب إلى البحث عن أماكن بديلة لممارسة رياضتها المفضلة، خاصة كرة القدم. فهناك من يجدون ضالتهم في اللعب وسط الطرقات المعبدة والمدارات والساحات العمومية، في مغامرة غير محسوبة العواقب، إذ كثيرا ما تعرض البعض منهم إلى حوادث سير خطيرة. وهناك من يفضلون ركوب مغامرة من نوع آخر، من خلال اتخاذهم ملاعب المؤسسات التعليمية العمومية (الثانويات الإعدادية والتأهيلية والمعاهد والمدارس العليا والكليات…) أمكنة لتفجير طاقاتهم الإبداعية وإبراز قدراتهم الفنية.

وهنا يبدأ مسلسل معاناة أفراد هذه الفئة، الذين يجدون أنفسهم مجبرين، في أول خطوة، على ممارسة رياضة «تسلق جدران» المؤسسة الموجودة بالقرب من مكان الإقامة، كوسيلة وحيدة للتسلل إلى الداخل، قبل أن يصطدموا بحاجز ثان، المتمثل في تدخل حراس الأمن الخاص المكلف بحراسة هذه المؤسسات، الذين لا يتوانون لحظة في منعهم من اللعب. الأمر الذي غالبا ما يتطور إلى

أشياء لا تحمد عقباها، إذ أن بعض الحالات من هذا النوع انتهت في مخافر الشرطة القضائية، كما صرح بذلك لـ»الصباح الرياضي»مصدر أمني عاش وقائع مشابهة، مضيفا أن من الحراس من كان ضحية عنف نفسي أو جسدي.

ملاعب تحت الطلب…!

«إلى بغيتي تلعب الكرة فهاد الأرض، خصك تدفع اللعاقة»، بهذه الجملة لخص الطالب الجامعي ربيع العوني (21 سنة)المعاناة المتكررة لشباب المدينة في رحلة البحث عن مكان لمزاولة لعبتهم المفضلة، كرة القدم، في غياب شبه تام لفضاءات من شأنها أن تفي بهذا الغرض. لذلك، يبقى المتنفس الوحيد لربيع وزملائه، ومعهم مجموعة من المولعين بمداعبة الكرة «الساحرة»، هو ملاعب الخواص والنوادي الاجتماعية، التي يضعها مستغلوها رهن إشارة الراغبين في إجراء مباراة في كرة القدم المصغرة بمقابل مالي يختلف سعره بين النهار والليل. وهنا تطرح مسألة التفكير الجاد في الاستثمار في هذا المجال.

إنجاز: خليل المنوني (مكناس)

 

عسو: يصعب التعويض

اللاعب الدولي السابق قال إن الشباب في حاجة إلى فضاءات رياضية

قال فؤاد عسو، اللاعب الدولي السابق، إن ملاعب الأحياء العديدة، التي كانت تزخر بها مكناس وغيرها من المدن المغربية، مثلت على مدى عقود كثيرة مدارس كروية أنجبت لاعبين كبارا، وشكلت قبلة لعشاق فن كرة القدم من مختلف الأعمار والفئات والشرائح، الذين كانوا يتابعون بلهفة وشغف كبيرين المباريات الساخنة والمثيرة التي كانت الملاعب الترابية للأحياء مسرحا لفصولها وأحداثها، «كانت الملاعب تشتعل حرارة بمباريات فرق الأحياء، إن على مستوى الفرجة المقدمة، أو على صعيد الحشود الغفيرة التي كانت تتابع المباراة تلو الأخرى».

وأبرز الإطار الوطني عسو أن المباريات في ملاعب الأحياء دائما كانت تتسم بالندية والتنافس الحادين، سواء من ناحية الدوريات التي كانت تنظم في بعض المناسبات، كدوريات أعياد العرش والشباب والمسيرة الخضراء، ودوريات رمضان وغيرها، أو من خلال بطولات فرق الأحياء، التي كان يتحدد على ضوئها الحي المتوج فريقه بدرع البطولة السنوية.

وأكد عسو، في حديث إلى «الصباح الرياضي»، أن الإسمنت زحف على جل ملاعب الأحياء بمدينة مكناس، حتى أضحت الأخيرة شبه خالية من فضاءات ومساحات من شأنها أن تشكل مراتع رياضية للأطفال والشباب، الذين يحتاجون أكثر من أي وقت مضى إلى ملاعب يقضون فيها وقتهم الثالث، ويفجرون عبرها مهاراتهم الفنية ومواهبهم الكروية.

وأشار عسو، الذي يعد أحد خريجي ملاعب الأحياء، إلى أن الملاعب المنقرضة غالبا ما كانت تسهل مأمورية المنقبين عن المواهب الكروية، والذين كانوا يجدون ضالتهم فيها، بسبب احتضانها للمادة الخام.

من ناحية أخرى، طالب عسو، المحلل الرياضي للقناة الثانية، المسؤولين بضرورة توفير وإنشاء مرافق رياضية في الأحياء وقرب المجمعات السكنية، التي تشكو جميعها غيابا تاما لمختلف المرافق، ومنها طبعا، الفضاءات الرياضية التي من شأنها استيعاب الشباب، الذي تتقاذفه أمواج «الانحراف» والتيه من كل جانب، على حد تعبيره. وأضاف» أحمل الجهات المعنية مسؤولية عدم تشييد ملاعب رياضية بالتجمعات السكنية،و كذا تبعات طمس معالم جل ملاعب الأحياء القديمة».

وتساءل عسو عن مدى قدرة مراكز التكوين الحديثة، بتجهيزاتها المتطورة والمكلفة، وبمواردها البشرية والمالية، ومعها ملاعب القرب في تعويض الدور الذي لعبته ملاعب الأحياء على مدى سنوات وعقود عديدة، في غياب أبسط الوسائل.

 

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هيئة التحرير
المصدر : جريدة الصباح
التاريخ : 2017-08-11 13:56:46

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك